الخميس، 28 يونيو 2012

خلق الله آدم عليه السلام والصلوات من أجل محمد صلى الله عليه وعلى آله الطاهرين - المجموعة 5


 

خلق الله
آدم عليه السلام
من أجل
محمد صلى الله عليه
  وآله
الطاهرين ...

المجموعة الخامسة ...

ويكشف ذلك بأن " خلق روح النبي الأكرم محمد صلوات الله وسلامه عليه وهو أول روح إنما هو محاولة تجسيد بدائي للبذور الرسالية الثورية في العالم (الأرضي) وتجسيد لخط الثورة والشهادة بين المسلمين عبر التاريخ.. وما حركة الأنبياء وخلق أرواحهم إلا محاولة تأهيلية وتوطئة خلقية روحية لبروز الخط التوحيدي الاستشهادي العام، وهو بروز النبي صلى الله عليه وآله الطاهرين  ليبضع التجسيد الفاعل للثورة الروحية (الإلهية) كفعل إيجابي تنفيذي لحالة خلق الروح.. وهكذا يبرز الخيار النبوي كحالة نورانية مقدسة ومتوهجة "
(98)
وهذا الاشتعال النوراني والإشراق الإلهي الأرضي إنما يكمن في خيار النبوة المحمدية العظمى وهذا عين قوله تعالى:
{وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ }الزمر69
وهذا الإشراق النوراني هو الذي اختزنه الله في خلد مكنونه وأصل خلقه ليجيء في بداية إطلاله الإنسان وخلقه في ظهر آدم النبي عليه السلام، فيشتعل آدم بنور محمد صلى الله عليه وآله وسلم وإشراقاته المعظمة.. بعد أن كان هذا الإشراق مخزونا في قلب عرش الله ومسجلا في ذاكرة اللوح المحفوظ على جدار العرش المعظم.. وكان آدم أول المخلوقات مشاهدة لاسمه ونوره صلى الله عليه وآله وسلم.. وحين اكتشف اسم محمد صلى الله عليه وآله وسلم  جوار اسم الله : لا إله إلا الله محمد رسول الله.. اكتشف أي عظمة مخزونة لهذه الروح النورانية المخبوءة والمخزونة في علم الله الأزلي؟
قال الإمام العلامة الحافظ، تقي الدين السبكي قدس الله روحه :
" لم يصب من فسر قوله صلى الله عليه وآله وسلم :" كنت نبيا وآدم بين الروح والجسد" (بأنه) سيصير نبيا، لأن علم الله تعالى محيط لجميع الأشياء، ووصف النبي صلى الله عليه وآله الطاهرين بالنبوة في ذلك الوقت ينبغي أن يفهم منه أنه أمر ثابت له في ذلك الوقت ولو كان المراد بذلك مجرد العلم بما سيصير إليه في المستقبل لم تكن له خصوصية بأنه نبي وآدم بين الروح والجسد، لأن جميع الأنبياء يعلم الله بنبوتهم في ذلك الوقت وقبله، فلابد من خصوصية للنبي صلى الله عليه وآله الطاهرين
لأجلها أخبر أمته الخبر إعلاما لأمته، ليعرفوا قدره عند الله تعالى. ثم قال: فإن قلت: النبوة وصف لازم أن يكون الموصوف به موجودا..." .
(99)  وهي قراءة أزلية على مقام نبوته واصطفاءه قبل الخلق وهو تجاوز في العطاء الإلهي حاله النبوة المعطاة للأنبياء عليهم السلام ولذا كان التعبير في العظمة أنه نبي قبل الخلق الآدمي وهذه هي سر العظمة للنبوة المحمدية .. لأن الله تعالى لم يساويه بالأنبياء بل جعله تعالى في علاه مرادا إلهيا خالصا في عالمية روحه الأزلية .. والشيخ السبكي رحمه الله كان يدور في السياق الإصطفائي الخاص للكلمة الأولى والنور المخلوق الأول . ويستطرد .. قلت:"  قد جاء أن الله خلق الأرواح قبل الأجساد، فقد تكونت الإشارة بقوله:( كنت نبيا) إلى روحه أو إلى حقيقة من الحقائق، والحقائق تقصر عقولنا عن معرفتنا وإنما يعلمها خالقها ومن أمده الله تعالى بنور إلهي، ثم إن تلك الحقائق يؤتي الله تعالى كل حقيقة منها ما يشاء في الوقت الذي يشاء. فحقيقة النبي r وآله قد تكون من قبل خلق آدم أتاها الله ذلك الوصف بأن يكون خلقها ، مهيأة لذلك فأفاض الله عليه من ذلك الوقت فصار نبيا وكتب اسمه على العرش وأخبر عنه بالرسالة ليعلم ملائكته وغيرهم كرامته عنده، فحقيقته موجودة في ذلك الوقت وإن تأخر جسده الشريف المتصف بها.
.. واتصاف حقيقته بالأوصاف الشريفة المضافة عليه من الحضرة الإلهية إنما يتأخر البعث والتبليغ وكل ماله من جهة الله تعالى ومن جهة تأهل ذاته الشريفة صلى الله عليه وآله الطاهرين
وحقيقته معجل لا تأخر فيه، وكذلك استنباؤه وإيتاؤه الحكم والنبوة، وإنما المتأخر تكونه وتنقله إلى أن ظهر صلى الله عليه وآله الطاهرين "
(100)  وهكذا نرى أن الروح والنبوة المحمدية ومنذ الأزل الخلقي السماوي هما التشكيل المركزي لحركة التاريخ الأرضي . والتوهج النوراني الإشراقي على كل هذا المستوى الأرضي. ما من شأنه تجسيد النظرية الإلهية في طريق (الخلافة والشهادة).. ولهذا.. وبهذا.. كان العقل النبوي النوراني هو أصل هذا المكون النوراني النبوي العظيم.. وإذا كان (العقل) المخلوق هو أصل الخليقة فبكون غطاؤه بالنور الإلهي هو الحقيقة وعلم الحقيقة في هذه النبوة المكنوزة في أصل هذه الخليقة المعظمة...
وقد ورد ما خلق الله العقل، فقال له أقبل فاقبل، ثم قال له أدبر، ثم قال له: أقعد فقعد، ثم قال له انطق فنطق، ثم قال له: اصمت فصمت، فقال ـ الله ـ وعزتي وجلالي وعظمتي وكبريائي وسلطاني وجبروتي ما خلقت خلقا أحب إليّ منك ولا أكرم علي منك. بك أعرف وبك أحمد، وبك أطاع، وبك آخذ وبك أعطى ، وإياك أعاتب، ولك الثواب وعليك العقاب، وما أكرمتك بشيء أفضل من البصر " . (101)  وهذا هو الحقيقة الإلهية في العقل الروحي النبوي المخزون . وكان السجود لآدم في هذه الحقيقة المخزونة إنما يؤكد حجم التعظيم لمحمد صلى الله عليه وآله الطاهرين والذي سينقله الله لظهر آدم.. في ظل قدر إلهي لحركة التاريخ في الأرض. وليكون هو أول النبيين في الخلق وآخر النبيين في الخلق ؟. وهنا مفاد جوهر قوله صلى الله عليه وآله وسلم :بنا بدئ الدين وبنا يختم  " . وفي كتاب الله المنزل قوله الحق تعالى في قراءة الروح النبوية  {خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ } المطففين26
يقول الشيخ محمد بن يوسف الصالحي الشامي..
:"وقال بعض العارفين:
لما خلق الله الأرواح المدبرة للأجسام عند وجود حركة الفلك أول ما خلق الله الزمان بحركة، كان أول ما خلق روح محمد صلى الله عليه وآله الطاهرين ، ثم صدرت الأرواح عن الحركات الفلكية، فكان لها وجود في عالم الغيب دون عالم الشهادة، وأعلمه بالنبوة وآدم لم يكن، كما قال : (بين الروح والجسد) فاقتضى قوله :" كنت نبيا وآدم بين الروح والجسد " أن يكون حقيقة، فإنه لا يكون العدم بين أمرين موجودين لانحصاره، والمعدوم لا يوصف بالحصر في شيء. ثم انتهى الزمان إلى وجود جسمه صلى الله عليه وآله الطاهرين وارتباط الروح به، فظهر سيدنا محمد صلى الله عليه وآله الطاهرين بكليته وجسما وروحا، فكان له الحكم أولا باطنا في جميع ما ظهر من الشرائع على يدي الأنبياء والرسل صلوات الله وسلامه عليهم، ثم صار له الحكم ظاهرا فنسخ كل شرع، وإن كان الشرع واحدا وهو صاحب الشرع، فإنه قال:" كنت نبيا " ما قال كنت إنسانا ولا كنت موجودا.. وليست النبوة إلا بالشرع المقرر من عند الله تعالى. فأخبر صلى الله عليه وآله الطاهرين أنه صاحب النبوة قبل وجود الأنبياء في الدنيا"
(102) ولطالما خلق العقل والروح وكانت النبوة معلنة لنبينا الأعظم محمد صلى الله عليه وآله الطاهرين  فهذا يؤكد علمه صلى الله عليه وآله الطاهرين ...
المسبوق لحركة الرسالات والنبوات وهو في علم الروح.. وهذا الإدراك الآدمي الأول لحقيقة النبي محمد صلى الله عليه وآله الطاهرين ...كان الرب الأعظم يعلمه أن اكتشاف الذات والتوبة لهي ضرورة حين أقسم آدم أمام ربه بمحمد وآل بيته أن يغفر له فغفر له، وببركة سيدنا محمد أعلنت النبوة لآدم في عالمية الخلق الأزلي الأول من الطين وبإرادة تكوينية إلهية محضة ..
وهذه الإرادة الإلهية ستبدأ في السماء بالشفاعة لآدم أبو البشر وتنتهي بالشفاعة لبني آدم أجمعين.. وأيضا ستكون هذه الشفاعة سماوية في نهاية حركة الخليقة الأرضية..
عن قتادة عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وآله الطاهرين قال:
"يجتمع المؤمنون يوم القيامة فيقولون لو استشفعنا إلى ربنا، فيأتون آدم فيقولون أنت أبو الناس خلقك الله بيده وأسجد لك ملائكته وعلمك أسماء كل شيء فاشفع لنا إلى ربك حتى يريحنا من مكاننا هذا، فيقول لست هناكم ويذكر ذنبه فيستحي، ائتوا نوحا فإنه أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض . فيأتونه فيقول لست هناكم ويذكر سؤاله ربه ما ليس به علم فيستحي . فيقول ائتوا خليل الرحمن فيأتونه لست هناكم. فيقول ائتوا موسى عبدا كلمه الله وأعطاه التوراة فيأتونه فيقول: لست هناكم ويذكر قتل النفس بغير نفس فيستحي من ربه . فيقول ائتوا عيسى عبد الله ورسوله وكلمة الله وروحه فيأتونه فيقول لست هناكم . ائتوا محمدا عبدا غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فيأتوني فأنطلق حتى استأذن ربي فيأذن لي ، فإذا رأيت ربي وقعت ساجدا ، فيدعني ما شاء الله ثم يقال: ارفع رأسك وسل تعطه وقل تسمع وأشفع تشفع . فارفع رأسي فأحمده بتحميد يعلمنيه ثم اشفع فيحدّ لي حدا فأدخلهم الجنة، ثم أعود إليه فإذا رأيت ربي مثله ثم  أشفع فيحد لي حدا فأدخلهم الجنة ثم أعود الثالثة، ثم أعود الرابعة فأقول ما بقى في النار إلا من حبسه القرآن ووجب عليه الخلود " .. (103)
وهكذا تكون الشفاعة الخاتمة هي نهاية دورة النبوة الخاتمة على المستوى الأرضي  .

الله يأخذ العهد والميثاق على آدم وجميع
الأنبياء عليهم السلام ..
بنبوة محمد صلى الله عليه وآله الطاهرين
قال الله تعالى في علاه :
{ فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (82) أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ }  آل عمران: ٨١ - ٨٢
..قال أبو علي الطبرسي رحمه الله
:{وأذا اخذ الله ميثاق النبيين} العامل في إذ محذوف وتقديره وأذكر إذ أخذ الله، وقيل هو عطف على ما تقدم من قوله {وإذ قالت الملائكة}. وروي عن أمير المؤمنين: علي بن أبي طالب u وابن عباس وقتادة: إن الله أخذ الميثاق على الأنبياء قبل نبينا صلى الله عليه وآله الطاهرين  أن يخبروا أممهم بمبعثه ونفعته ويبشروهم به، ويأمروهم بتصديقه. وقال طاووس: أخذ الله الميثاق على الأنبياء عليهم السلام على الأول والآخر، فأخذ الله الأول لتؤمنن بما جاء به الآخر.
وقال  سيدنا جعفر الصادق عليه السلام :
وإذ أخذ الله ميثاق أمم النبيين بتصديق نبيها والعمل بما جاءهم به وأنهم خالفوهم فيما بعد وما وفوا به وتركوا كثيرا من شريعته وحرفوا كثيرا منها.
وقوله:{ لما أتيتكم} بفتح اللام إذا كانت اللام موصولة فتقديره للذي أتيتكموه أي أعطيتكموه {من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول} أي نبي وقيل: يعني محمد {مصدق لما معكم} أي لما أتيتكم من الكتب {لتؤمنن به} أي لتؤمنن بالرسول ولتنصرنه أو يريد لتؤمنن بالذي أتيتكموه ولتنصرن الرسول وعلى هذا يكون المعنى، أنه لما أخذ الميثاق على الأنبياء ليصدق بعضهم بعضا ويأمر بعضهم بعضا بالإيمان ويكون بالنصرة بالتصديق والحجة.. وقوله:{ من كتاب} من هذه للتبيين لما نحو ذلك قولك ما عندك من ورق وعين وخاتم من فضة ويكون على هذا تقديره أن الله تعالى قال لهم:
مهما أوتيكم كتابا وحكمة ثم يجيئكم به رسول مصدق لما معكم من ذلك الكتاب والحكمة والله لتومنن به ولتنصرنه فأقروا بذلك وأعطوا عليه مواثيقهم. وهذا أشبه بما ذكر أن الميثاق أخذ على الأنبياء ليأخذوا على أممهم بتصديق محمد إذا بعث ويأمروهم بنصرته على أعدائه أن أدركوه وهو المروي عن علي u وابن عباس وقتادة والسدي واختاره أبو علي الجبائي ومسلم..
وقوله {ولتنصرنه} أي البشارة للأمم به قال أي قال الله لأنبيائه {أأقررتم به} وصدقتموه { َ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ }آل عمران81 } معناه: وقبلتم على ذلك عهدي ونظيره فإن أديتم هذا فخذوه، وقيل معناه وأخذتم العهد بذلك على أممكم (قالوا) أي قال الأنبياء وأممهم (أقررنا) بما أمرتنا بالإقرار به (قال) الله (فاشهدوا) بذلك على أممكم (وأنا معكم من الشاهدين) عليكم وعلى أممكم ــ و عن علي أمير المؤمنين عليه السلام :   " ، وقيل فاشهدوا أي فاعلموا ذلك أنا معكم أعلم ...عن ابن عباس.. (فمن تولى بعد ذلك) أي فمن أعرض عن الإيمان بمحمد بعد هذه الدلالات والحجج وبعد أخذ الميثاق على النبيين الذين سبق ذكرهم والمقصود بهذه الأمم دون النبيين لأنه قد مضى أزمانهم"
(104)  وفي الطبقات الكبرى لإبن سعد :
" عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال :
"  مسح ربك ظهر آدم بنعمان هذه فأخرج منه كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة ثم أخذ عليهم الميثاق قال ثم تلا وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل أخبرنا سعيد بن سليمان الو اسطي أخبرنا منصور يعني بن أبي الأسود عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال خلق الله آدم بدحناء فمسح ظهره فأخرج كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة قال ألست بربكم قالوا بلى قال يقول الله شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين " (105)
وقد ذكره ابن كثير رحمه الله في البداية : " قال ابن عباس ما بعث الله نبيا إلا أخذ عليه الميثاق لئن بعث محمد وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه وأمره أن يأخذ على أمته الميثاق لئن بعث محمد وهم أحياء ليؤمنن به وينصرنه ذكره البخاري عنه فالخضر إن كان نبيا أو وليا فقد دخل في هذا الميثاق فلو كان حيا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم لكان أشرف أحواله أن يكون بين يديه يؤمن بما أنزل الله عليه وينصره " البداية والنهاية ج1/355 باب :خلق آدم عليه السلام
" قال ابن عباس ما بعث الله نبيا إلا أخذ عليه الميثاق لئن بعث محمد وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه وأمره أن يأخذ على أمته الميثاق لئن بعث محمد وهم أحياء ليؤمنن به وينصرنه ذكره البخاري عنه فالخضر إن كان نبيا أو وليا فقد دخل في هذا الميثاق فلو كان حيا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم لكان أشرف أحواله أن يكون بين يديه يؤمن بما أنزل الله عليه وينصره .. "
( 106)  قال السيوطي رحمه الله :
وقد ذكرنا حديث الميثاق في مبحثنا : " أخرج ابن جرير عن ـ سيدنا أمير المؤمنين  ـ علي بن أبي طالب u أنه قال: لم يبعث الله نبيا – آدم ومن بعده – إلا أخذ عليه العهد في محمد، لئن بعث وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه. ويأمره فيأخذه العهد على قومه." ثم تلا:
{وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ " آل عمران81  .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في الآية قال:
" هذا ميثاق أخذه الله على النبيين أن يصدق بعضهم بعضا ، وأن يبلغوا كتاب الله ورسالاته إلى قومهم ، وأخذ عليهم فيما بلغتهم رسلهم أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وآله الطاهرين  ، ويصدقوه، وينصروه " .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في الآية قال:
" لم يبعث الله نبيا قط من لدن نوح إلا أخذ الله ميثاقه. ليؤمنن بمحمد، ولينصرنه إن خرج وهو حي ، وإلا أخذ على قومه أن يؤمنوا به وينصروه إن خرج بهم وهم أحياء"
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في الآية قال:
" ثم ذكر ما أخذ عليهم – يعني على أهل الكتاب – وعلى أنبيائهم من الميثاق بتصديقه.. يعني بتصديق محمد صلى الله عليه وآله الطاهرين  إذ جاءهم وإقرارهم به على أنفسهم".
وأخرج ابن جرير عن ـ أمير المؤمنين :علي بن أبي طالب u في قوله :
(قال فاشهدوا) يقول: فاشهدوا على أممكم بذلك (وأنا معكم من الشاهدين) عليكم وعليهم (فمن تولى) عنك يا محمد بعد هذا العهد من جميع الأمم
(فأولئك هم الفاسقون) هم العاصون في الكفر" (107)
وقد ذكر أبو جعفر الطبري في جامع البيان :
" عن اسحق عن أبي جعفر عن أبيه قال: قال قتادة: أخذ الله على النبيين ميثاقهم أن يصدق بعضهم بعضا. وأن يبلغوا كتاب الله ورسالته على عباده ،  فبلغت الأنبياء كتاب الله ورسالاته إلى قومهم وأخذوا مواثيق أهل الكتاب في كتابهم، فيما بلغتهم رسلهم أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وآله الطاهرين  ويصدقوه وينصروه"
وقال رحمه الله:
" وأولى الأقوال بالصواب في تأويل هذه الآية : أن جميع ذلك خبر من الله عز وجل عن أنبيائه أنه أخذ ميثاقهم به، وألزمهم دعاءَ أممهم إليه والإقرار به، لأن ابتداء الآية خبر من الله عز وجل عن أنبيائه أنه أخذ ميثاقهم ، ثم وصف الذي أخذ به ميثاقهم فقال: هكذا وهو كذا ، وإنما قلنا إن ما أخبر الله أنه أخذ به مواثيق أنبيائه من ذلك، قد أُخذت على الأنبياء مواثيق أممها به، لأنها أرسلت لتدعو عباد الله إلى الدينونة، بما أُمرت الدينونة به في أنفسها من تصديق رسل الله على ما قدمنا البيان قبل، فتأويل الآية: يا معشر أهل الكتاب إذ أخذ الله ميثاق النبيين لمهما أتيتكم أيها النبيون من كتاب وحكمة، ثم جاءكم رسول من عندي مصدق لما معكم لتؤمنن به، يقول: لتصدقنه ولتنصرنه. وقد قال السدي بذلك"
(108)  وزعمت اليهود أن الميثاق لهم لأنه خاطب أنبيائهم وهذا من تخليط اليهود في المسيا المنتظر !! وهم الذين عرفوه من بني إسماعيل وكذبوه بعد الرسالة .. فالميثاق قبل الخلق لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم .
وقال الألوسي في روح المعاني :
.. " ويؤيد القول بأخذ الميثاق من الأنبياء الموجب لإيمان من أدركه عليه الصلاة والسلام منهم به ــ ما أخرجه أبو يعلى عن جابر قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله الطاهرين  :
" لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا، فإما أن تُصدقوا بباطل، وإما أن تكذبوا بحق وأنه والله لو كان موسى حيا بين أظهركم ما حل له إلا أن يتبعني " وفي معناه أخبار كثيرة وهي تؤيد بظاهرها ما قلنا، ومن هنا ذهب العارفون إلى أنه صلى الله عليه وآله الطاهرين  هو النبي المطلق والرسول الحقيقي والمشرع الاستقلالي، وأن من سواه من النبيين عليهم الصلاة والسلام في حكم التبعية له صلى الله عليه وآله الطاهرين  "
وهنا تتأكد وجهتنا التفسيرية : إلى أن أخذ الميثاق على النبيين والخلق أجمعين إنما له وجهتين: الوجهة المكتوبة السماوية والمتعلقة بأصل قضية الخلق والإشهاد فيها على آدم والأنبياء بنبوته صلى الله عليه وآله الطاهرين  .. بحكم وجوده كنبي قبل خلق آدم عليه السلام والصلوات ...
والأنبياء أجمعين وقد شرحنا ذلك في المبحث ..
لما فيه حديث النبي الأكرم صلى الله عليه وآله الطاهرين  :
" إني عند الله في أم الكتاب لخاتم النبيين وأن آدم لمنجدل في طينته " ، رواه الإمام أحمد والحاكم ..
وبحكم نبوته صلى الله عليه وآله الطاهرين  قبل الخليقة .. وأن ذلك في أم الكتاب أي القدر أو اللوح المحفوظ الذي قدره الله قبل الخليقة بخمسين ألف سنة كما جاء في صحيح مسلم
(109)
فتكون النبوات هي مرحلة تتبع قضية الخليقة .. أي انتقال عالم الشهادة للنبي الأكرم بنبوته أمام عالم الملكوت والملائكة وآدم بعد ذلك، والأرواح المخلوقة بعد آدم لهي شهادة بنبوته r وآله في عالم الملكوت .. وأن هذه الشهادة العلوية ستنتقل حكما وقدرا مقدورا إلى عالم الدنيا في ظهر آدم .
وسنشرح ذلك بالتوسع في الباب الثاني ..
حيث سيكتب الله على كل الأنبياء شهادة لهم بالنبوة في الكتب المنزلة جميعا وهذا هو التأكيد المسجل في عالم النبوات والرسالات بنهاية الأمم المحتوم برسالته الكريمة المصطفاة والخاتمة له صلى الله عليه وآله الطاهرين  .. وهنا يمكن فهم الحديث النبوي بشموليته العميقة في قوله صلى الله عليه وآله الطاهرين  :
" بل منا يختم الله به الدين كما فتح بنا وبنا ينقذون من الفتنة" .. (110)
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس t قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله الطاهرين  :
" ان بنا أهل البيت يُفتح ويُختم" ..
(111)  .. أي بدء بالنبوة المحمدية في عالم الذر والملكوت وسينتهي بعالمية ملكوتية سماوية أيضا .. بنزول خليفة الله وروح الله المهدي u . من عند الله في سمائه في قرب وعد الآخرة..
المهدي في الأرض وهو المهدي في السماء فمن أدركه فليتبعه"
(112)
فهو عليه السلام كجده النبي الأعظم صلى الله عليه وآله الطاهرين  روحه روح سماوية منسوب بالخلافة لله تعالى ومقامه العلي من العلي في السماء والأرض ..ذكر صاحب عقد الدرر عنه عليه سلام الله " المهدي الذي في الأرض هو المهدي الذي في السماء "  .. يصلي خلفه المسيح السماوي وكل الغيبيين الموعودين المنظرين من أنبياء وصالحين ومختارين عليهم السلام .. في ختم رباني نوراني ليس له مثيل في القدس والتاريخ . (113)  وهذا هو المعنى الحقيقي الشمولي لبداية الدين وختمه في الأرض بعد الإشهاد الملكوتي ..ويكون الإعلان عن النبوة المحمدية المقدسة بعد كل الأنبياء واستعلاء دينه في كل الأرض أي في عالمية النهاية.. هي جزء من العملية الإلهية لبداية الدين المحمدي (الإسلام) في أصل الخليقة ونهاية هذه الخليقة أيضا بهذا الدين العظيم.. وكما أسلفنا هي (عالمية الشهادة).. وفيه يكون التفسير لقول الله تعالى في الآيات:{ قال فاشهدوا} ... الرواية ذكرناها في المبحث . (114)     قال البغوي:
"بما أخذ الله الميثاق منهم في أمر محمد صلى الله عليه وآله الطاهرين  :
{ وإذ أخذ الله ميثاق النبيين } فأراد أنّ الله أخذ ميثاق النبيين أي يأخذوا الميثاق إلى أممهم أن يؤمنوا لمحمد صلى الله عليه وآله الطاهرين ...ويصدقوه وينصروه إن أدركوه".. وقال بعضهم :أراد أخذ الله الميثاق على النبيين وأممهم جميعا في أمر محمد صلى الله عليه وآله الطاهرين ...فاكتفى بذكر الأنبياء لأن العهد على المتبوع عهد على الأتباع، وهذا معنى قول ابن عباس:
" وقال : أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام :
لم يبعث الله نبيا آدم ومن بعده إلا أخذ عليه ميثاق والعهد في أمر محمد وأخذ العهد على قومه ليؤمنن به ولئن بعث وهم أحياء لينصرنه ".
وفي قوله تعالى:{ لتؤمنن به ولتنصرنه} قال: يقول الله تعالى للأنبياء حين استخرج الذرية من صلب آدم عليه السلام فهم كالمصابيح والسرُج وأخذ عليهم الميثاق في أمر محمد صلى الله عليه وآله الطاهرين  .
وأما قوله تعالى:{ أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري} : أي قبلتم على ذلكم عهدي، والإصر هو العهد الثقيل.. قوله تعالى:{ قالوا أقررنا }
قال الله تعالى :{ فاشهدوا}أي فاشهدوا على أنفسكم وأتباعكم، {وأنا معكم من الشاهدين}: عليكم وعليهم..



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق