الخميس، 28 يونيو 2012

خلق الله آدم عليه السلام والصلوات من أجل محمد صلى الله عليه وعلى آله الطاهرين – المجموعة 6






خلق الله
آدم عليه السلام
من أجل
محمد صلى الله 
عليه وآله
الطاهرين ...


المجموعة السادسة

(115)  وهذه هي الشهادة الملكوتية السماوية المتعلقة بأصل الخليقة وأنها لم تخلق أصلا من قبل الله إلا للشهادة والإقرار بمحمد وأهل بيته عليهم الصلاة والسلام..
وكما خلق الله الأرواح وجعلها في ظهر آدم u، فإنه خلق أرواحا قبلها وجعلها في ظهر محمد r وآله.. وهذه الأرواح الملكوتية المخلوقة قبل آدم بآلاف السنين هي كما بيّنا الأرواح النورانية المتعلقة في قلب العرش، ولا يحق أن يسكن في قلب العرش إلا محمد  وأهل بيته، وهم الذين أقسم بهم آدم إلى ربه بالتوبة، فمن ينكر ذلك كفر بهذه الشهادة وكفر بالرسالة الإلهية أصلا .. وهذا عمق قوله جل في علاه:{ فمن تولى بعد ذلك}: أي رفض هذه الشهادة الملكوتية لمحمد وآل بيته المصطفين الأخيار..{ فأولئك هم الفاسقون}: وهذا تفسير قوله تعالى أيضا {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ }آل عمران85 }. روى عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
" إن فاطمة وعليا والحسن والحسين في حظيرة القدس في  قبة خضراء سقفها عرش الرحمن " (116)
وفي نفس الاتجاه يؤكد أبو حيان الأندلسي في التفسير:
"{ قال فاشهدوا }: الظاهر أنه تعالى قال للنبيين المأخوذ عليهم الميثاق فاشهدوا.. ومعناه: الشهادة – أي يشهد بعضكم على بعض بالإقرار وأخذ الإصر .قاله مقاتل ، وقيل: فاشهدوا هو خطاب الملائكة قاله ابن المسيب. وقيل معنى فاشهدوا بينوا هذا الميثاق للخاص والعام لكي لا يبقى لأحد العذر في الجهل به. وقيل معناه استيقنوا ما قررته عليكم من هذا الميثاق وكونوا فيه كالمشاهد للشيء المعاين له، قاله ابن عباس. وقيل فاشهدوا خطاب للأنبياء إذ قلنا أن أخذ الميثاق كان على أتباعهم أمروا بأن يكونوا شاهدين على أممهم . وروي هذا عن علي بن أبي طالب عليه السلام بأن المعنى في قال أأقررتم، أي قال كل نبي يكون المعنى على كل نبي بأمته، فاشهدوا، أي ليشهد بعضكم على بعض"..
(117) أبو حيان الأندلسي ـ تفسير البحر المحيط : المجلد 2/536 : نفس الطبعة
أو بتعبير ابن عطية الأندلسي في تفسير الآية هو:"وصف توقيف الأنبياء على إقرارهم بهذا الميثاق والتزامهم له وأخذ عهد الله فيه وذلك يحتمل موطن القسم في قوله تعالى:{ فاشهدوا} وفيه معنيين – أي اتجاهين – فأحدهما: فاشهدوا على أممكم المؤمنين بكم وعلى أنفسكم بالتزام هذا العهد، والثاني: بثّ الأمر عند أممكم وأشهدوا به، وشهادة الله على هذا التأويل" ..
(118)  وفي رؤيتنا أن هذين الشقين هما مفهوم الشهادة للنبوة المحمدية القائمة وهذا الميثاق أخذه الله على جميع الأنبياء، يؤذنهم فيه بأن رسولا يجيء مصدقا لما معه، ويأمرهم بالإيمان به وبنصره، والمقصود منه ذلك إعلام أممهم بذلك ليكون هذا الميثاق محفوظا لدى سائر الأجيال، بدليل قوله :{ فمن تولى بعد ذلك } الخ.. إذ لا يجوز على الأنبياء التولي والفسق ولكن المقصود أممهم كقوله:{ لئن أشركت ليحبطن عملك } وبدليل قوله:{ قال فاشهدوا } أي على أممكم، وإلى هذا يرجع ما ورد في القرآن من دعوة إبراهيم u، {ربنا وابعث فيهم رسولا منهم}.
وقد جاء في سفر التثنية قول موسى عليه السلام:
" قال لي الرب أقيم لهم نبيا من وسط إخوتهم مثلك واجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه " وأخوة بني إسرائيل هم بنو إسماعيل ولو كان المراد نبيا إسرائيليا لقال لهم" أقيم لهم نبيا منهم".
(119)  والبشارات في كتب أنبياء نبي إسرائيل وفي الأناجيل كثيرة.. ففي قول المسيح (إنجيل متّى) : " ويقوم أنبياء كذبة كثيرون ويضلون كثيرين ولكن الذي يصبر- أي يبق أخيرا – إلى المنتهى فهذا يخلص ويكرز بشارة الملكوت هذه في كل المسكونة شهادة لجميع الأمم ثم يأتي المنتهى" .. (120)
في إنجيل يوحنّا قول المسيح عليه السلام:
"وأنا أطلب من الآب ــ أي الرب ــ فيعطيكم معزيا آخر ليمكث فيكم إلى الآبد، وأما المعزي الروح القدس الذي سيرسله الآب (الرب) باسمي فهو يعلمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قلت لكم، ومتى جاء المعزي روح الحق الذي من عند الآب ( أي الرب) ينبثق فهو يشهد لي" ..
(121)  وقد فصلنا تلك البشارات في قراءتنا البشارة بالنبي الأعظم في التوراة والإنجيل.. والبشارة: في حقيقتها هي الشهادة والميثاق المأخوذة على الأنبياء بتصديق رسالة محمد صلى الله عليه وآله .
يقول الإمام محمد بن يوسف الصالحي الشامي في تعقيبه على الآيات القرآنية:" قال الإمام العلامة الحافظ شيخ الإسلام تقي الدين السبكي قدس الله سره في هذه الآية من التنويه بالنبي صلى الله عليه وآله وعظيم قدره ما لا يخفى أنه على تقدير مجيئه في زمانهم يكون مرسلا إليهم، فتكون رسالته ونبوته عامة لجميع الخلق من زمن آدم إلى يوم القيامة وتكون الأنبياء وأممهم كلهم من أمته، ويكون قوله r وآله: (بعثت للناس كافة) (122)
لا يختص به الناس في زمانه إلى يوم القيامة بل يتناول قبلهم أيضا.. وإنما أخذ المواثيق على الأنبياء ليعملوا أنه المقدم عليهم وأنه نبيهم ورسولهم وفي (أخذ) وهي في معنى الاستخلاف، ولذلك دخلت لام القسم في {لتؤمنن به ولتنصرن} لطيفة أخرى، وهي كأنها البيعة التي تؤخذ من الخلفاء، ولعل إيمان الخلفاء أخذت من هذا فانظر إلى هذا التعظيم للنبي صلى الله عليه وآله من ربه" (123)
وعندما ذكر النبي الأعظم r وآله بأنه سيليه في النبوة خلافة ممتدة على مدار التاريخ.. خلافة في الدين والشريعة.. حيث قال r وآله:" سيكون إثنى عشر خليفة بعدي"، "لا زال هذا الدين منيعا حتى يكون اثني عشر خليفة" . (124) .. الخ من الأحاديث ..
وهذه الخلافة للنبوة أكدتها النبوة المحمدية في علي بن أبي طالب باعتباره هو الخليفة الأوحد للدين والنبوة حيث قال النبي r وآله:
" يا علي أنت خليفتي ووريثي من بعدي" وهذه الخلافة وامتداد الرئاسة مذكورة منذ الأزل في النبي صلى الله عليه وآله وآل بيته الأخيار عليهم أجمعين الصلاة والتسليم.. حين سجل ذلك في القسم الذي تلاه آدم النبي صلى الله عليه وآله أبو البشر أجمعين حين أقسم للرب بمحمد وآل بيته الطاهرين في الكلمات التي علمها الرب عبر جبرائيل عليه السلام بالتوبة {فأتمهن}.. الآيات
وقد ذكر ذلك في سفر التكوين في القول الصريح بالنبوة لمحمد صلى الله عليه وآله :
".. أما إسماعيل فقد استجبت لطلبتك من أجله سأباركه حقا، وأجعله مثمرا وأكثر ذريته جدا فيكون أبا لاثني عشر رئيسا ويصبح أمة كبيرة" (125)   وتحديد الآية بان النبوة التي من جذر إسماعيل النبي والممثلة بمحمد صلى الله عليه وآله الطاهرين سيكون أبا لاثني عشر رئيسا، وواقعيا النبي محمدr وآله هو الأب للأئمة الإثنى عشر من أبناء علي بن أبي طالب ومن رحم الطهر المقدس (فاطمة الزهراء عليها السلام) .وهو أب لكل الأمة والأمم .. قال النبي الأعظم صلى الله عليه وآله الطاهرين  :
" كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي  ونسبي ، وكل ولد آدم فإن عصبتهم لأبيهم ، ما خلا ولد فاطمة ، فإني أنا أبوهم وعصبتهم " . (126)
وبهذا تنسجم بشارة النبي بامتداد خلافة النبوة في الأئمة بعده من هذا البيت المقدس بما جاء في البشارة الواردة في سفر التكوين وهذا ما فصلناه في قراءتنا تحت عنوان (الخط الإسماعيلي الثوري المقدس). وبهذا يكون مفهوم الإشهاد والشهادة بنبوة محمد صلى الله عليه وآله الطاهرين في عالم الملكوت أو ما يعرف بعالم (الذر) هو ذاته الإشهاد له صلى الله عليه وآله الطاهرين في عالم النبوات .
.."وروى ابن أبي عاصم  في المسند وأبو نعيم عن أنس t أن الله سبحانه وتعالى قال لموسى: (ياموسى إن من لقيني وهو جاحد بمحمد صلى الله عليه وآله الطاهرين أدخلته النار، فقال: من محمد؟، قال يا موسى وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا أكرم علي منه، كتبت اسمه مع اسمي في العرش قبل أن أخلق السماوات والأرض والشمس والقمر بألفي عام"(127).
وعندما سئل السيد المسيح عليه السلام عن النبي القادم وهل أنه هو المسيح، واجه ذلك بالرفض بالقول:( لست المسيح) وفيما ذكر في إنجيل متى حين سأل المسيح عليه السلام :" أأنت هو الآتي، أم ننتظر غيرك؟ فأجابهم يسوع قائلا: اذهبوا أخبروا يوحنا "(128) ذلك أن اليهود كانوا يريدونه ملكا حتى يغطوا على زيفهم و تجديفهم على الله والكتاب المنزل !! وكان الرفض يعني أن يكون مطاردا أو ملاحقا أو قتيلا أو سجينا .. أي لم يجيبهم وهذا الرفض جاء به  u إلى بيلاطس الحاكم الروماني عندما سأله أيضا:" أأنت ملك اليهود؟ فأجابه: أنت قلت"(129)
أي هذه دعوات.. فالملك المنتظر " محمد " هو الآتي بعدي كما جاء في الأناجيل الأربعة ..
ولهذا كان المسيح u يبشر بالملكوت القادم كما جاء في إنجيل متى وغيره "وكان يسوع يتنقل في منطقة الجليل كلها ويبشر في مجامع اليهود وينادي ببشارة الملكوت"  (متى:4/23).
والملكوت القادم في البشارة هو النبي محمد r وآله والذي سماه المسيح u بالمعزي الذي يُعزُ به أنصار المسيح القادمين (130)
. وهكذا سنرى في سياق قراءتنا حول البشارة بالنبي الأعظم في التوراة والإنجيل كم هائل من شهادات الأنبياء بالتصديق والإشهاد لأممهم ولشعوبهم بقدومه ونبوته صلى الله عليه وآله الطاهرين فهو أول وآخر النبيين عليهم الصلاة والسلام .

الخلافة والشهادة أصل رسالة الخليقة :
قال الله تعالى في علاه :
{ وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة ، قال أتجعل فيا من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم مالا تعلمون}(البقرة  :  الآية 30)
:إن السياق القرآني المعظم إنما يقدم حقيقة القرار الإلهي السامي في الخليقة القادمة في الأرض .. والتي تقتضي أن تستوعب في طياتها وفي أصل هذا المشروع الإلهي الخلقي خلافة الله في هذه الأرض.. والتي أيضا هي تحقيق للمشيئة العليا والتي.." تريد أن تسلم لهذا الكائن الجديد في الوجود ، زمام هذه الأرض وتطلق فيها يده ، وتكل إليه إبراز مشيئة الخالق في الإبداع والتكوين والتحليل والتركيب والتحوير والتبديل.. وكشف ما في هذه الأرض من قوى وكنوز.. ووهب من القوى الخفية ما يحقق المشيئة الإلهية  " .  (131)
ويشاء هذا التحقيق الإلهي الأرضي أن يستوعب السر الأساسي في هذه الخلافة وهو الشهادة الإلهية على هذا الخلق والتي تستلزم أن يتقدم السادة الأنبياء في هذا المشروع الإلهي أن يشهدوا على كل الأمم بوحدانية الله وسره في خلقه النوراني القادم عبر ظهر آدم إلى هذه الأرض وهذه الإشراقة النورانية الشاملة هي وحدها التي تقدم الأنموذج الاستشهادي الكامل.. من خلال بعث رسالة النبي القادم الأعظم تتجه لرسالات الأنبياء وخاتمه نورانية ربانية للمشروع الرسالي في الأرض.. وهذه الشهادة الخاتمة هي التي بدأ الله الخلق من أجلها كما أسلفنا في مدخلنا.. ورغم الحس الملائكي المرهف على إمكانية حدوث الخطيئة والإفساد الأرضي.. إلا أن علم الله وقدره في تثبيت هذه الشهادة والرسالة الخاتمة اقتضت أن يرسي هذا العلم الملكوتي حقيقة ذلك السر الإلهي العميق في هذه الشهادة..{ لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا} سورة البقرة: الآية : 134
ولقد بينا أن السر الملكوتي النازل كان يتعمق بوضوحه وشفافيته من خلال ما تحمله تلك الأسماء التي علمها الله  العظيم الأعظم لآدم عليه السلام .. وكان أعظم كل هذه الأسماء والمسميات هو اسم النبي محمد وآل بيته في هذا الوجود الملكوتي النازل بثورة لهذه الأرض ليبشرها بنور ربها " ها نحن أولاء – بعين البصيرة في ومضات الاستشراف – نشهد ما شهدته الملائكة في الملأ الأعلى .. ها نحن أولاء نشهد طرفا من ذلك السر الإلهي العظيم الذي أودعه الله هذا الكائن البشري وهو يسلمه مقاليد الخلافة (إنه) سر القدرة على الرمز بالأسماء للمسميات .. سر القدرة على تسمية الأشخاص والأشياء بأسماء يجعلها وهي ألفاظ منقوطة رموزا لتلك الأشخاص والأشياء المحسوسة . وهي قدرة ذات قيمة كبرى في حياة الإنسان على الأرض ندرك قيمتها حين نتصور الصعوبة الكبرى. ندرك قيمتها حين نتصور الصعوبة الكبرى، لو لم يوهب الإنسان القدرة على الرمز بالأسماء للمسميات والمشقة في التفاهم والتعامل ، يحتاج كل فرد لكي يتفاهم مع الآخرين على شيء أن يستحضر هذا الشيء بذاته أمامهم ليتفاهموا بشأنه .. " ..
(132)  وحين يثبت الله الأعظم أن سر هذه الخليقة ونشأتها في عالم الروح والذر الملكوتي والسماوي .. إنما كان من أجل خلق النبي محمد r وآله فيكون هذا الاسم المعظم هو السر العميق والشيفرة السرية الخاصة بإمكانية فك حقيقة كل هذه الأسماء ومسمياتها.. وحين جعل الله النبوة الأصل في نبيه الأعظم محمد صلى الله عليه وآله الطاهرين قبل خلق آدم ذاته؟!! فيكون هذا الاستشراف قد وضع الله أساسه ليكون وجهه هذه الخليقة الجديدة وأدواتها ومسمياتها عبر كل الأطوار التاريخية لتضع اسم محمد رسول الله جوار اسم الله الأعظم؟ كما سجلها الرب ذاته بذاته على ساق عرشه وأوراق حفاته!! من هنا ندرك نحن أهل البيت ومن خلال هذا النور السري المدفون في ذاتنا ونحن في هذه الأرض التي عمها الظلم والإفساد أي دور ليشرفنا في هذه العالمية الجديدة والتي يشاء الرب في سره الخلقي أن تكون هي الخاتمة في أرض الله وخليقته على قاعدة القسط والعدل.. ونحن ندرك بنور ربنا أن هذا التحقيق الإلهي سوف يتجسد في قول النبي الأعظم r وآله في قوله:
"بنا يختم الله بنا الدين كما فتح بنا " 
ومفاده خليفة الله المهدي عليه السلام .
(133)  وهنا نكتشف حقيقة ذاك الحس الملكوتي المرهف لهذا الإفساد المرتقب القادم أيضا في طيات السجل الأرضي لهذه الخليقة!! والذي فعليا بدأ يرسم خطواته مع بداية تلك الثورة الإبليسة الشيطانية المضادة لهذا المرسوم الإلهي القادم. وكان رفض الشيطان (إبليس) الأول للسجود لآدم إنما ينبع فعليا من رفض السجود للنور الذي بدأ يشع من آدم حين أمر الله روح نبينا محمد صلى الله عليه وآله الطاهرين  أن تدخل في ظهر هذا المخلوق الربان
ي الجديد والذي سيرسي الله عبر خطواته مشوار هذه الخلافة والشهادة على المستوى الأرضي .. ومن هنا كان تعطيل إبليس لهذه الحركة إنما تتم على هذه الخلفية والمشروع. لأن إبليس كان في طليعة القوى المعرفية لأسرار هذه الخليقة في الوجود الملكوتي .. وهو الذي كان محيطا بهذا المشهد الخلقي في هذا العالم العلوي الملكوتي وذلك بسبب خلقه قبل آدم عليه السلام .. وكان هو الوحيد الذي حمل الرفض و الاعتراض على هذا المشروع لا على أرضية تلك الشفافية المرهفة للواقع الملكوتي ولكن على خليقة الحسد والحقد لمن أراده الله أن يتهيأ لحمل خلافة الله على الأرض.. ولعل هذه المشاهد كانت تقذف بمشاهد هذه الثورة المضادة في صورة تعطيل حركة آدم وتزييف الصورة الحقة أمامه . وهذه الصورة المخالفة هي أخص خصائص الغيب الملكوتي في عالم الروح والذر أصلا .. وتلك الشجرة المباركة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء كما بيناه عن نبينا وسادتنا من آل البيت عليهم الصلاة والتسليم: هي شجرة النبوة القادمة وشجرة آل البيت المباركة من أصل هذه النبوة ؟ وما كان لآدم أو غيره من المخلوقات أن تضع في بنائها من هذا السر والعلم القدري المسبوق والمكنوز في أصل هذه الشجرة المباركة؟ وبالتالي فإن الدلالة التي قدمها إبليس لآدم u بأن يأكل من هذه الشجرة إنما هو في حد ذاته هو بداية خطوات إبليس في التعدي على خصائص الألوهية والغيب؟!! وبحكم إحاطته المعرفية لكثير من هذه الخصائص الغيبية واطلاعه على اللوح المحفوظ أو جزء من علمه المسجل هو الذي دفعه لحركة التعطيل المضادة.. لأنه يعلم أن آدم هو مجرد حامل لهذه الإرادة الإلهية في الأرض وليس هو u الأصل فيها كإرادة ملكوتية.. وبهذا كان الهبوط الأرضي هو المخرج لهذا التعدي على القدر الإلهي.. {ولا تقربا هذه الشجرة}: واقترب آدم على الشجرة بفعل زيف إبليس وتطلعاته الذاتية الحاسدة..
{وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ *فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ } (البقرة:35/36).
وهنا كان الهبوط السفلي لإبليس وآدم هو الذي جاء محمولا لهذه الذرية المعظمة في الخليقة والتي حتما تحمل في طياتها هذا المشروع العظيم في خلافة الله على الأرض .. كل الأرض .. وكان نزول وصايا الرب وشريعته هي التحقيق العلوي لمسار هذه الخليقة وفق الإرادة الإلهية في هذه الأرض..
"وكان التلقي من آدم لتلك الكلمات العظمى هي التي وضعت التبرير والمصداقية لخطى هذه الشريعة.. ويشاء الله أن تكون هذه الكلمات هي الشيفرة القدرية التي علق الله الخليقة على أساسها وبها ضمانة نجاتها وتوبتها.. إنها أخص تلك الأسماء التي تعلمها آدم وتلقاها من ربه وهي أسماء محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين.. الذين كانوا يسجدون لله ويحمدونه في قلب العرش حتى قبل أن يخلق الله الملائكة أجمعين.. {إني أعلم مالا تعلمون} وفي المقابل {قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم} : ( البقرة:32 )
من هنا كانت الخليقة الآدمية في الأرض بكل ما تحمله في ظهرها وصلبها وطياتها من أسماء إنما هي تنبع من ذلك السر الإلهي المخبوء والذي خلق بإرادته مقادير هذه الخليقة كما جاء في الحديث الصحيح: قبل خلق آدم ذاته بخمسين ألف سنة ؟!!
ومن المحتوم أن اسم محمد وآل بيته كانوا في هذا المخزون القدري المعظم في أصل مقادير هذه الخليقة؟! هذا وإن اطلاع إبليس على هذه المعرفة الملكوتية حين علمه الله بحكم موقعه الروحاني الأول والذي كان فيه (طاووسا للملائكة) أي تقدم في الفضل عليها.. كان الحسد منه على آدم وهو يكتشف أنه خلق آخر من المحتوم هو أفضل منه.. وأمره الله بالسجود ورفضه لهذا السجود إنما كان يشكل أول حالة تمرد على الطاعة الإلهية في طيات هذه الإرادة الخلقية في مقادير الخلق والوجود؟!  
{قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }البقرة38  
وكان مشروع هذا الهدى والهداية والنبوة يتقدم مع حالة هذا الهبوط ؟ وكان رسولنا الأعظم صلى الله عليه وآله الطاهرين هو القوة المخزونة كسر إلهي في ظهر آدم ونور هداية له في الأرض . كان آدم يشرق بنوره في هذه الأرض ليعمرها ويستخلف عليها نيابة عن تلك الإرادة الإلهية { إنه كان ظلوما جهولا } وحمل آدم هذه الرسالة وأقدار الله وهدايته نوره يسكنه { فَمَن تَبِعَ هُدَايَ } نبوة محمد في الرسالات { فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } ومثله قوله تعالى:
{أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }يونس62 .. والأولياء الثابتون الراسخون في العلم الأزلي هم فروع هذه الشجرة المباركة من آل البيت محمد صلى الله عليه وآله الطاهرين
  وهم كلمات الله العظمى المنزلة على هذه الأرض... 
 وضمانة توبة آدم وسلاحه في مواجهة الشيطان... 
 وبهذا سيتواصل الصدام بين المشروعين المتضادين 
في هذه الأرض عميقا حتى قيام الساعة
{والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} (البقرة:39)
والمسكون في آيات سورة البقرة المباركة يجد ان هذه الآيات التي تحدثت عن رحلة أصل الخليقة كانت تتحدث في مدخلها عن اليهود وتنتهي أيضا بعد الآية
( البقرة :  39)
من سورة البقرة أيضا عن اليهود {يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم} وهذا التخصص في السياق القرآني المعظم هو الذي وضع اليهود أو بني إسرائيل تحديدا كورثة حقيقيين لهذا الإفساد الكوني الأرضي.. والذي استشرفته الملائكة من خلال حالة الاعتراض الإيجابي بعمق وحقيقة هذا الإفساد الكوني القادم.{ قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك. قال: إني أعلم مالا تعلمون } (البقرة :30    )
ولهذا كان أصل النور في هذا المشروع الإلهي هو مكونات آدم الخلقية u وكان أصل هذا الإفساد هو في أمر إبليس اللعين ومشروعه وذريته والتي كان يقف على طليعتها صنوه السامري الدجال اللعين ومن تبعه من بني إسرائيل .. بحكم أنه صاحب أول نظرية وثنية متكاملة في هذه الأرض. على مستوى التحقيق العملي. المضاد لرسالة الأنبياء وشريعة الهداية التي حملوها لهذه الخليقة، وإرساء الشريعة الإلهية فيها. والمتأمل الفاحص في قوله تعالى في الصورة ذاتها .. يجد قوله تعالى في علاه : {الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ } البقرة27
هي الصورة الفاحصة والمحيطة بجوهر حركة التمرد الشيطانية (مشروع إبليس) وتقاطعها وتكاملها مع الإفساد الإسرائيلي حتى قيام الساعة، وهذا التواصل الا فسادي ترجمه إبليس اللعين في أول خطاب لهذا التمرد والثورة الإفسادية حين قال.. قال الله تعالى في علاه 
في معرض سورة (الأعراف)
{وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ *قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ * قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ } 
 الأعراف13 }الأعراف12 ــ 13  }
وبهذا التشخيص القرآني كانت حالة الهبوط وكان القرار الإبليسي :
{قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ. قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ . ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ . قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْؤُوماً مَّدْحُوراً لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ) الأعراف : 14 ــ  18
وهكذا كان القرار الإلهي باللعنة لإبليس وطرده من حرمته إنما يكمن في تعديه عليه اللعنة على إرادة الرب وأسراره وتمرده على قراره وأقداره في خلقه وملكوته..
وكانت هذه النهاية تجيء على
قاعدة التمرد الأول كما قلنا...

{ فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ
عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ
هَـذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ :
{وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ *
فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا
 أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ
الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ * قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا
وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ }
الأعراف 20ـ 23

وهنا نكتشف الدلالات الزائفة لإبليس الذي تحول بهذا التوجه الإغوائي إلى (الشيطان) : 

والوسوسة الأولى :

 هي تزييف الحقائق وإضلال آدم عن أوامر الله. وهكذا احتفظ إبليس لذاته وأجياله وذريا ته وأتباعه منهاجا سفليا إفساديا سيكون متواصلا ومتصلا بجوهر الإفساد الإسرائيلي وإن نزول كساء آدم على جسده هو أصلا لباس النور الإلهي الذي على جسده المبارك كان يخفي عورته ...
... ( سوءاتكما ) ...
وكان هذا النور المبارك الذي كان يشع في جسد دم كما قال أغلب المفسرون عن آل البيت عليهم السلام  ...

هو نور رسولنا الأكرم محمد صلى الله عليه وآله الطاهرين
  والذي وضعه الله في ظهره حين خلق الذر. وقد سحب الله العظيم الأعظم هذا النور من جسده بعد الخطيئة والتعدي على الشجرة المحمدية المباركة في الجنة .. وسنفصل هذا الموضوع بعد تناولنا لآيات سورة الأعراف (172ــ 174 ) ...

وهنا يكون اللباس النوراني المحلل على آدم والخليقة هو أصل النور الذي بعثه الله لتكوين معالم هذه الخلافة الأرضية  ...
 وقراءة أصولية بحته لحالتها الإشراقية النورانية القادرة على إحداث حالة الشهادة .. فالشاهد الأعظم على الخليقة والقادر هو الله تعالى والشاهد على خلق آدم وحركته الجدلية في الأرض 
هو محمد ونبوته المقدسة صلى الله عليه وآله الطاهرين  ...
والتي كانت موجودة ومقدرة قبل خلق آدم أو دخول الروح في جسده؟!! وبعد قراءتنا في الأبواب السابقة رأينا أن التوبة والكلمات التي علمها الله لآدم (فتاب عليه): هي التي أعادت هذا النور والروح المقدسة التي هي محمد صلى الله عليه وآله الطاهرين وذريته في ظهره عليه السلام.. ولهذا حمل آدم مشعل هذه الرسالة والخلافة وهو يعلم علم اليقين أن الإفساد في ذريته حادث لا محالة. وهذا مقدر في عالم الروح والذر حين أشهد الله ملائكته على وحدانية وخلقه لمحمد r وآله قالوا (شهدنا) فقال لهم: ( أأقررتم ) قالوا:أقررنا: وبهذا شهدوا عل أنفسهم.. ولكن إبليس وبني إسرائيل عبدة العجل بعده هم الذين أنكروا سر الله في كتبه وتوراته بنبوة محمد r وآله . وهو الذي سيشهد في النهاية على كل هذه الخليقة
{ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً } الحج : الآية 78
.. وهنا كما قلنا كان أصل الصدام ومبرراته ودوافعه من إبليس وحركته التمردية !! هو الاعتراض على الرسالة الإلهية في الخلق وهي رسالة التوحيد والإسلام الذي حملها محمد r وآله وهو في عالم الملكوت إلى الناس والخلق كافة.. والأنبياء أجمعين كانت رسالتهم لأقوامهم خاصة ومحدودة .. بحكم شهادتهم على أقوالهم فقط وليس الشهادة العامة والكلية إلا لمحمد r وآله..ونعود هنا إلى النهاية والقراءة الوصفية لهذه الحالة في سورة البقرة بعد تحديد حالة الهبوط {وقلنا اهبطوا منها جميعا}( البقرة: 37 ) .
يقول رب العزة تعالى:
{وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ *يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ *وَآمِنُواْ بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ وَلاَ تَكُونُواْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ }:الآية  38 ــ 41
وقوله تعالى في ذات السياق إلى بني إسرائيل:
{ {وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ *وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ *أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }البقرة24 ـ44
وهذا الربط الجدلي الخطير بين مشروع إبليس الرافض للنور الرباني والإشراق الروحي في محمد r وآله هو المتواصل الجدلي باليهود المفسدين الذين خطوا نحو التمرد والرفض الشيطاني وكتموا الحق على العموم. وقد شهد لهم موسى في التوراة على نبوة محمد r وآله ولكنهم أيضا زيفوها في الكتاب ولم يرقبوا الله ولم يرهبوه {وإياي فأرهبون} البقرة:40
وزيفوا الحقيقة والنور والهداية التي حملتها التوراة المقدسة وخلطوا الزيف على الشعب ـ في إسرائيل ـ  وعبدوا الأوثان على عبادة المتعالي الجبار والذي ذكرهم على لسان موسى عليه السلام
  {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ }البقرة47 47
أي كنتم طليعة أمتكم والأمم المحيطة بكم ولكن مع ذلك زيفتم الحقائق وعبدتم الأوثان.. والسياق القرآني في سورة البقرة يجيء رائعا وواضحا ومتكاملا حين ربط الله في قرآنه بين الدوائر :الشّرية المطلقة في الأرض: (إبليس- الدجال- اليهود) وهنا في الآيات المتتابعة للسياق يكون الحوار الإلهي معهم بعد عبادتهم العجل، وقد أفردنا في هذا الموضوع مبحثا مستقلا.. (134)
وقد كانت هذه النهاية هي خلاصة التعطيل للمشروع الإلهي النوراني في الأرض والذي حمل خلاله جميع الأنبياء بشارة قدوم النبي الأعظم محمد r وآله إلى الأمم كافة.. ولهذا كان التصادم مع رسالة الأنبياء في جوهرة هو تجسيد لثورة الرفض الشيطانية لرسالة سيد الخلق ومبرر وجوده وهو محمد صلى الله عليه وآله الطاهرين 
  وذلك باعتبار أن الأنبياء عليهم السلام هم شهادة الحق على الأمم والقبائل
{ لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ }البقرة/143
وهم الأنبياء { وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً } والشهادة النبوية هي على الأنبياء أجمعين وأممهم وسائر الخلق أجمعين..لأنهم شهدوا على ذواتهم وهم أرواح في عالم الذر وأقروا على ربوبية ووحدانية الله وشهدوا بخصوصية نبيه محمد صلى الله عليه وآله الطاهرين
  ونبوته  قبل الخلق وفي نهاية الحلقة الخلقية وأطوارها التاريخية.. وبهذا فإن اليهود الذين ...
{ وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ } 
البقرة : 93
كانوا قد أشربوا جميع أسباب الفتن ومناهج الإفساد الوثنية المضادة لهؤلاء الأنبياء وكفروا وزيفوا الحق والبرهان والنور لمجيء محمد صلوات الله عليه.. وعلى هذا الأساس انتهجوا عليهم لعنه الرب والناس أجمعين السياسة الدموية وسياسات المجازر مع الأنبياء والمرسلين أجمعين.. (135)
وهم يواصلون إلى اليوم سياستهم ضد أبناء وأتباع الأنبياء عليهم السلام  وبهذا فإن دور الاستخلاف الأرضي الأول إنما جاء لتأكيد الرسالة النبوية الخاتمة. والقرآن الكريم قد أكد على جوهر هذه الخلافة عبر رسالات وخطابات الأنبياء عليهم السلام  
 وهذا في قوله تعالى:
{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } البقرة30
{ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }
الأعراف69
{هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتاً وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَاراً } فاطر39
{يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ... 
 الآيات : ص: 26
النبي الأعظم الشاهد والشهادة على الخلافة..
يقول الله تعالى في سورة النحل:
{وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَى هَـؤُلاء وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ }النحل89  
ولا يخفى أن المراد بهذه الشهادة في عالم الخلق الأول هو الإقرار و الإشهاد من كل الخلائق على أنفسهم بوحدانية الله الأعظم وببعثه لرسوله الأعظم محمد r وآله وكما بيناه.. إن هذه الشهادة تتواصل في الأمم والخلق وفي الأرض كذلك ستكون الشهادة من كل الأنبياء على أممهم بأنهم قد أدوا الرسالة والأمانة.. والشهادة وأظهروا لهم نبوة لسيد الخلق محمد صلى الله عليه وآله الطاهرين ...
  وتكون بعثته صلى الله عليه وآله الطاهرين هي الشهادة العظمى على الخليفة بالثورة العظمى في الخلق ...

يقول الطبرسي :

{ وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً }

يعني يوم القيامة أنه بعث فيه من كل أمة شهيدا وهم الأنبياء والعدول من كل عصر يشهدون على الناس بأعمالهم وقال الصادق u: لكل زمان وأمة إمام تبعث كل أمة مع إمامها. وفائدة بعث الشهداء مع علم الله سبحانه بذلك أن ذلك أهول في النفس وأعظم في تصور الحال وأشد في الفضيحة إذ قادت الشهادة بحضرة الملأ مع جلال الشهود ودالتهم عند الله تعالى ولأنهم إذا علموا أن العدول عند الله يشهدون عليهم بين يدي الخلائق فإن ذلك يكون زجرا لهم عن المعاصي"
وهنا يكون الإشهاد والإقرار الثاني بوجود الشاهد الأعظم بعد الله على الخلائق وهو الشفيع العظيم محمدصلى الله عليه وآله الطاهرين 
  وقد أكد المولى جل علاه في ذات السورة الكريمة الأرضية الجلية لحالة الإشهاد النهائية بوجود النبي العظم وتفاصيلها.. 
حيث قال تعالى في علاه :

{ {وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً ثُمَّ لاَ يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ وإِذَا رَأى الَّذِينَ ظَلَمُواْ الْعَذَابَ فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } النحل84- 85 .. (136) ...

وكانت هذه الأزمة الخانقة باليهود يوم المشهد العظيم هي الجزاء الأخطر بسبب عدوانهم على شهادة الله العظمى قبل نفاذ إرادته بكينونة الخلق.. وعدوانهم وزيفهم وتحريفهم على وعد الله وكل الأنبياء بنبوة النبي الأعظم محمد r وآله والشهيد المبعوث في الأمم .. ولا يكون لهم يوم القيامة حجة . قال تعالى :
{وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً ثُمَّ لاَ يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ }النحل84 ... 
  لا يؤذن للذين كفروا في الاعتذار وقيل في الكلام، 
(وإذا رأى الذين ظلموا):كفروا {العذاب} يعني جهنم.
{ وَإِذَا رَأى الَّذِينَ أَشْرَكُواْ } يوم القيامة {شركاءهم}:أوثانهم)
(137)
وقد عبد بنو إسرائيل عجولهم وأوثانهم وبعولهم فهي معهم في النار وهذه أعظم فضيحة ومنقلب نهاية والأعقد في الصورة حين يشهدون على ذاتهم بأصنامهم ويحملونها على صدروهم في النار وبئس القرار {وَإِذَا رَأى الَّذِينَ أَشْرَكُواْ شُرَكَاءهُمْ قَالُواْ رَبَّنَا هَـؤُلاء شُرَكَآؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوْ مِن دُونِكَ فَألْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ }النحل86
ويكاد القرآن العظيم أن يغطي في كل سورة كريمة مشاهد هذه الشهادة المعظمة حتى ليصف الله تعالى نبيه الأعظم وأمته بأنها الأمة الشاهدة على كل الأمم والأنبياء أجمعين.. ـ مبحثنا : قراءة في مصطلح الأمة في القرآن الكريم : موقع أمة الزهراء ــ عليها السلام .
وفي قوله تعالى:
{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً }البقرة143 :  
والخطاب في الشهادة حول خطاب عام ويكون فيه {الرسول عليكم شهيدا}:أي شهيدا عل أمته أنها قد بلغت الرسالة للأمم وشهيدا بالتالي على شهادة الأمة وطلائعها الرسالية الثورية الحقة: والشهادة تشمل الخلاص والشفاعة.. وهذه الأمة المرصوصة المشفوعة المشفعة: هي الأمة المجاهدة التي أنجبت من رحمها ملاين الاستشهاديين رموزا لعدالة الحق في رسالة القدس والنبي الأكرم... 
{إني مفاخر بكم الأمم يوم القيامة} الحديث ... 
وفي سورة الحج تصوير لحالة هذه الأمة المجاهدة الثورية ..
يقول تعالى : {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ } : الحج78
وفي هذا التحديد قال تعالى في علاه : 
{وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ }هود113
أي لا تركنوا لأعداء النبي وآله المطهرين والظالمين لهم فإن محبتهم محرمة وبغضهم واجب ..  وفيه قوله  
 صلى الله عليه وآله الطاهرين:
" عن أبي أمامه رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان " ..
(138)
" ولا تركنوا : الركون هو الإنحياز والموالاة أو التحالف مع كل الخونة التاريخيين والمقبلين مثل عدو الله السفياني الذي يجنده اليهود والغربيون لحرب خليفة المسلمين وبقية آل محمد وهو مهدي الأمة الموعود عليه السلام .. ففيه النار الدنيوية " تمسكم " وفي النار جهنم بدون توصيف ..
قال صاحب تفسير الميزان.. في هذه الآية :
"جعل الله تعالى كون الرسول شهيدا عليهم وكونهم شهداء على الناس.. غاية متفرعة على الاجتباء ونفي الحرج عنهم في الدين، ثم عرف الدين بأنه هو الملة التي كانت لأبيكم إبراهيم الذي هو سماكم المسلمين من قبل. وذلك حينما دعا لكم ربه وقال: 
{ومن ذريتنا أمة مسلمة لك}: فاستجاب الله دعوته وجعلكم مسلمين، تسلمون له الحكم والأمر من غير عصيان واستنكاف. ولذلك ارتفع الحرج عنكم في الدين فلا يشق عليكم شيء منه ولا يحرج فأنتم المجتبون المهديون إلى الصراط. المسلمون لربهم الحكم والأمر، وقد جعلناكم كذلك ليكون الرسول عليكم شهيدا وتكونوا شهداء على الناس أي تتوسطوا بين الرسول وبين الناس، فتصلوا من جهة إليهم، وعند ذلك يتحقق مصداق دعاءه صلى الله عليه وآله الطاهرين
  فيكم وفي الرسول حيث قال:
{ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم}البقرة/129 فتكونون أمة مسلمة..
أودع الرسول في قلوبكم علم الكتاب والحكمة ومزكين بتزكيته، والتزكية: التطهير من قاذورات القلوب وتخليصها للعبودية: 
وهو معنى الإسلام"..
(139)   وهكذا نكتشف بأن لهذه الأمة وساطة وشفاعة أيضا.. ولم لا ؟ وهي الأمة المرحومة . التي لشهدائها وصالحيها وأوليائها شفاعة ولأئمتها الكرام من بيت النبوة الشفاعة الأعلى؟!! والشفاعة الأعظم هي لرسول البشرية r وآله وهو نبيهم فيهم والأمر الآخر في الآيات الذي ندركه أن المطلب الإبراهيمي الخاص في النبوة المعظمة فإنما يجيء على محمل الدعاء والمناجاة بتعجيلها من بعده للمسلمين. لأن إبراهيم العظيمصلى الله عليه وآله الطاهرين ...
  كان يعلم عن هذه النبوة والتي وردت على لسانه عليه السلام الأحاديث بوصفه بأنه " صاحب الجمل " وأنه عند الله خير منه؟
{ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ } الحج78...
وفي هذا التحديد قال تعالى في سورة هود 113:
{ولا تركنوا إلى الذين ظلموا( أي أفسدوا من اليهود والنصارى وباقي المرتدين والخونة الأرضيين .. ( فتمسكم النار) وبهذا التصوير العقيدي يكون الركون هو اتخاذ اليهود وأعداء الله أربابا وأوثانا وأرجاسا من دون الله!! وهذا السياق تؤكده سورة الحج أيضا في

قوله تعالى في علاه :
{وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَمَا لَيْسَ لَهُم بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ }الحج71 { وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَى هَـؤُلاء } النحل89 وهذه هي الشهادة على الناس.. وهي الرسالة الشاملة للناس كافة التي بلغها رسول الله صلى الله عليه وآله الطاهرين 
  عبر إرساء دعوته وثورته العالمية الشاملة..
يقول صاحب تفسير (الميزان في تفسير القرآن):
في تفسير قوله تعالى:{وكذلك جعلناكم أمة وسطا..} " 
وهذه الأمة بالنسبة إلى الناس وهم أهل الكتاب والمشركون على هذا الوصف فإن بعضهم وهم المشركون والوثنيون.. والنبي r وآله ميزان يوزن به حال الآحاد من الأمة، والأمة ميزان يوزن به حال الناس ومرجع يرجع إليه: و(الرسول صلى الله عليه وآله الطاهرين ):"هو المثال الأكمل من هذه الأمة هو شهيد على نفس الأمة، فهو صلى الله عليه وآله الطاهرين
ميزان يوزن به حال الناس ومرجع يرجع إليه طرفا الإفراط والتفريط، هذا ما قرره بعض المفسرين في معنى الآية..
(140)  والشهادة في الآية مطلقة ، وظاهر الجميع على إطلاقها هو الشهادة على أعمال الأمم وعلى تبليغ الرسل أيضا . وفي وجهتنا التفسيرية نرى أن مصطلح الأمة في القرآن هو مصطلح مخصوص ومحدد وليس مفتوح وخاص وليس فيه العموم وهو قوله تعالى :
{وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }آل عمران104
(141) وهم آل البيت النبوي المطهرين عليهم السلام امتداد النور الإلهي في النبوة . وهم رسل النبي صلى الله عليه وآله المتواصلين .
كما يؤتي إليه قوله تعالى:
{فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ }الأعراف6
وهذه الشهادة وإن كانت في الآخرة يوم القيامة، لكن تحملها في الدنيا على ما يعطيه قوله تعالى (في عيسى عليه السلام ) :
{ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ }المائدة117
وقوله تعالى في علاه : 
{ ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا}النساء:159 .
ومن المعلوم أن هذه الكرامة ليست تنالها جميع الأمم ، وهي ليست إلا كرامة خاصة للأولياء الطاهرين منهم ، وأما من دونهم من المتوسطين في السعادة والعدول من أهل الإيمان فليس لهم ذلك، فضلا عن الأجلاف الجافية والفراعنة الطاغية من الأمة.. وستعرف
في قوله تعالى في علاه :
 {وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً }النساء69
.. إن أقل ما يتصف به الشهداء وهم : شهداء الأعمال  ... 
 أنهم تحت ولاية الله ونعمته وأصحاب الصراط المستقيم .. فالمراد بكون الأمة شهيدة أن هذه الشهادة فيهم ، ، كما أن المراد بكون بني إسرائيل فضلوا على العالمين أن هذه الفضيلة فيهم من غير أن يتصف به كل واحد منهم ، بل نسب وصف البعض إلى الكل لكون البعض فيه ومنه ، تكون الأمة شهيدة .. هو أن فيهم من يشهد على الناس.. الأولياء والصالحون.. ويشهد الرسول عليهم، فقوله تعالى في علاه  :
{والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم}(الحديد/19) 
يدل على أن عامة المؤمنين شهداء قلت قوله تعالى {عند ربهم} يدل أن الله تعالى سيلحقهم بالشهداء يوم القيامة ولم ينالوه في الدنيا، نظير قوله تعالى في علاه  :
{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ }الطور21  
على أن هذه الآية مطلقة تدل على أن جميع المؤمنين من جميع الأمم شهداء عند ربهم (عند الله).. (142)  
  هذا ويأتي قول الحق في سورة النحل :
 {وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَى هَـؤُلاء وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ }النحل89
وهذا البعث الأعظم هو بالحق يوم الشهادة والإشهاد العظيم.. في ذلك الموقف المهيب العظيم الذي لا يبرز منه للأمم بأمر العظيم إلا عظيم عنده وهو رسول البشرية جمعاء محمد صلى الله عليه وآله الطاهرين يقف وينحني ساجدا طالبا الرحمة للأمم وفي هذا يتجلى صفة النبي التى ذكر بها ذاته : " إنما أنت رحمة مهداة...  
 وقول الحق في علاه : 

{ وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} (الأنبياء/107)
وقوله تعالى في علاه :
{ َنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى
 لِلْمُسْلِمِينَ }النحل89
وقبول الشفاعة من النبي الأعظم r وآله هي أعظم شهادة للعالمين وطوفان رحمة مهداة للأمم.. وتكون هذه الشهادة النهائية المتعلقة بعملية البعث الأخروي: هي إشهاد عالمي وإقرار عالمي بنبوته العظمى .. وهي أيضا شهادة على كل الأمم وإعلامهم من الأنبياء الأخيار بأنهم أدوا شهادتهم بحق.. { ويكون الرسول عليكم شهيدا } وبشرى للمسلمين: والمسلمين هنا لها معنى خاص: يهدف الأمة الإسلامية والمعنى العام استيعابي لكافة الأمم التي آمنت بالتوحيد وأسلمت وجهها لله
{إن الدين عند الله الإسلام}
{ {وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَى هَـؤُلاء وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ }النحل89
قال الطبرسي رحمه الله:
" أي من أمثالهم من البشر، ويجوز أن يكون ذلك الشهيد نبيهم الذي أرسل إليهم ويجوز أن يكون المؤمنون العارفون يشهدون عليهم بما فعلوه من المعاصي.. وفي هذا دلالة على أن كل عصر لا يجوز أن يخلو ممن يكون قوله حجة على أهل عصره وهو تحول عند الله تعالى"  (143)
ونرى.. أن العدل سمة وصفية هي محددة من الله للشهيد الموصوف بالرحمة وهنا لا يتم بتمامه إلا من نسل الهدى والنبوة المعظمة من آل البيت عليهم السلام وهم المفسرون والمؤلون قول الحق عمقا وظاهرا ... { علي مع القرآن والقرآن مع علي } ...
 وهم الموصوف بهم امتداد الرحمة والهداية {  وهدى ورحمة  } وإن كان هذا موجودا بين أضلعهم فهو بشارة عظمى للمسلمين وفوزهم {وبشرى للمسلمين} ... 
والسياق الوارد في آيات سورة النحل يتقابل مع السياق الوارد بالخصوص ذاته في سورة الحج في قوله تعالى في علاه :
{ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ }(الحج/78) 
ويقول صاحب تفسير "الميزان في تفسير القرآن"
 في قوله تعالى في علاه :
{ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـؤُلاء شَهِيداً }النساء41
:" يدل على بعث واحد في كل أمة للشهادة على أعمال غيره، وهو غير البعث بمعنى الإحياء .. بل هو بعث بعد البعث : للعرض ... 
 وإنما جعل من أنفسهم ليكون أقطع للحجة وأقطع للمعذرة كما يفيد السياق، وقوله { وجئنا بك شهيدا على هؤلاء } يفيد أنه 
 صلى الله عليه وآله الطاهرين شهيدا على هؤلاء، واستظهروا أن المراد بهؤلاء هم أمته وأيضا أنهم قاطبة من بعث إليه من لدن عصره إلى يوم القيامة، فمن حضره ومن غاب ومن عاصره ومن جاء بعده إلى الناس" وبهذا تتلاءم الآيتان: الأولى الواردة في سورة النحل:
 {وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ..} 
 والثانية الواردة في البقرة 
 {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً (البقرة ــ 143)
"فإن ظاهر الآية في سورة البقرة أن بين النبي r وآله وبين الناس الذين هم عامة من بعث إليهم من زمانه إلى يوم القيامة من شهداء يشهدون على أعمالهم وأن الرسول صلى الله عليه وآله الطاهرين
إنما هو شهيد على هؤلاء الشهداء، دون سائر الناس إلا بواسطتهم ولا ينبغي أن يتوهم أن الأمة هم المؤمنون وغيرهم من الناس وهم خارجون عن الأمة وأن ظاهر الآية السابقة في السورة: 
{وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً ثُمَّ لاَ يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ }النحل84 ... 
الآية أن الكفار من الأمة المشهود عليهم ولازم ذلك أن يكون المراد بالأمة في الآية المبحوث عنها
: جماعة الناس من أهل عصر واحد يشهد على أعمالهم شهيد واحد . وتكون حينئذ الأمة التي بعث إليهم النبي r وآله منقسمة  إلى أمم كثيرة "
(144)  أي يشهد الرسول الأعظم على جميع الأمم ممن عاصروا نبوته وماعداها. ويوم البعث والحضور للشهادة يكون الرسول الأعظم عليهم شهيدا . وبهذا العرض يمكننا إدراك حقيقة الربط الخلقي بين الخلافة التكوينية الأولى لكل الخلائق والأرواح وهم في عالم الذر والروح  { أأٌقررتم } : { قالوا أقررنا } وشهدوا على أنفسهم بذلك وشهدت الملائكة أجمعون على هذه الشهادة وعلى هذا الإفراز من جميع الخلق على وحدانية الله ونبوة محمد العظمى r وآله وهي الاسم النبوي المقدس الذي وصفناه بأنه الشيفرة أو (كلمة السر) الإلهية لهذه العلمية التكوينية والخلقية منذ قدر الله مقاديره في الخلق . قبل آدم بخمسين ألف سنة.
وهنا ندرك أي عمق تاريخي ورباني يتحقق بهذه الشهادة الربانية لشهادته ونبوته صلى الله عليه وآله الطاهرين
ويوم البعث والعرض لكل الخلائق يتكرر المشهد وكأنه المشهد الأول
{ كما خلقناكم أول مرة }!! وهذا أعظم انتصار للشهادة وللشهداء العظماء الذين يجيئون مع هذا المجد النبوي الشاهد العميق .. وهنا يتحقق قوله تعالى في سورة ق: 
 {وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ }ق21 فالسائق: هم الملائكة والشهيد النبي محمد r وآله الذي يكون كما بيناه شاهدا على كل الشهداء . وبهذه الشهادة يكون النصر من الله لكل الشهود والشهداء من الأنبياء والصديقين . وهذا اختصار قوله تعالى في علاه ...
في المعنى: 
{إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ *يَوْمَ لَا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ } غافر51 ــ 52
حينها تسقط كل الآلهة الوثنية كما تسقط كل دعاوي ورموز الإفساد الأرضي والذي جسدها .. فعليا الشيطان والدجال من جهة . وبني إسرائيل المفسدين من جهة أخرى!!
وبهذا اقتضت الشهادة لرسول الله صلى الله عليه وآله الطاهرين ولآل بيته من أئمة الهدى الإثنى عشر.. عليهم السلام والصلوات ... 
 وهم الشهداء على الأمم بعد رحيل النبي الأعظم والشاهد الأعظم.. فهم الشهود على الناس لأنهم بدلاء الأنبياء.. الذين شهد النبي عليهم وعلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أجمعين.. وهنا يجيء دور الإمامة والشهادة. أيضا كتواصل حقيقي وإلهي لخيار النبوة  في الشريعة الكونية..






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق